عقد من حكم ترودو في كندا- صعود، إخفاقات، وإرث متنازع عليه

في التاسع من مارس، وبعد عقد من الزمن في السلطة، انتهت الرحلة السياسية لجاستين ترودو بانتخاب مارك كارني زعيماً جديداً للحزب الليبرالي الحاكم. وقد أدى اليمين الدستورية كرئيس جديد للحكومة الكندية في الرابع عشر من مارس.
لقد دخل ترودو معترك السياسة بناء على طلب من كوادر وأعضاء الحزب الليبرالي، لكن خروجه من السلطة جاء بضغط مماثل من كوادر وأعضاء الحزب نتيجة لتراجع شعبيته الكبير؛ ويعزى ذلك إلى فضائحه المتراكمة وإخفاقاته المتلاحقة في إدارة الملفات الكبرى، بالإضافة إلى تزايد خلافاته مع الشخصيات البارزة في حزبه وحكومته.
دخول غير مبرمج وترقٍّ غير عادي
لم يشهد ترودو مسيرة سياسية تقليدية في بداياته. فقد انخرط في السياسة متأخراً نسبياً وبدون تخطيط مسبق. كان دخوله عالم السياسة أشبه بمفارقة، إذ كان بعيداً عنه على الرغم من نشأته في كنف عائلة سياسية. فوالده، بيار إيليوت ترودو، كان من بين أطول رؤساء الوزراء خدمة في تاريخ كندا، حيث قضى 15 عاماً في هذا المنصب على فترتين (1968-1979، ثم 1980-1984).
اختار جاستين الابتعاد عن السياسة والتفرغ لحياته الخاصة كمدرس للغة الفرنسية وكرّحّالة' زار العديد من دول العالم، إلى أن سنحت الفرصة التي غيرت مسار حياته ورمت به في عالم السياسة لينضم إلى المسيرة السياسية لوالده المتوفى عام 2000، وذلك عندما تقدم لتأبينه بكلمة لافتة، وكانت تلك هي البداية.
اكتشف الكنديون وقادة الحزب الليبرالي الشاب ترودو، وهو يتألق في إلقاء كلمة مؤثرة، عميقة في معانيها، ورشيقة في صياغتها، بالتناوب بين اللغتين الفرنسية والإنجليزية. وأعيد بث الكلمة على شاشات تلفزة "راديو كندا" مرات عديدة بناء على طلب المشاهدين.
آنذاك، رأى قادة الحزب الليبرالي في ترودو الابن فرصة لتجديد صورة الحزب واستعادة شبابه بعد تدهور صورته نتيجة فترة حكم جون كريتيان (1993-2003)، ثم خليفته بعد استقالته، وزير ماليته بول مارتن، الذي خسر الانتخابات العامة عام 2006 أمام حزب المحافظين.
جاءت استقالة جون كريتيان في سياق الكشف عن فضيحة كبرى هزت الرأي العام الكندي في عام 2000، تتعلق بتحويل مبالغ ضخمة من المال العام إلى شركات خدمات إعلامية مقربة من الحزب الليبرالي الحاكم، وساهم بعضها في تمويل الحزب بصيغ غير قانونية.
كان هناك طلب كبير على تجديد صورة الحزب للخروج من تداعيات فضيحة "الرعايات"، وتم استقطاب جاستين ترودو ليكون رمزاً للتغيير والتجديد في الحزب، لتنطلق بذلك مسيرته السياسية باختياره مرشح الحزب في انتخابات 2008، ليصبح بعدها ولأول مرة عضواً في البرلمان، ثم بانتخابه زعيماً للحزب في 2013، بعد فوزه في انتخابات زعامة الحزب في سبتمبر 2012 بنسبة 80.1% من أصوات أعضاء الحزب البالغين 104 آلاف، ليصبح في 2015 رئيساً للحكومة في عمر 44 سنة بعد فوزه في الانتخابات العامة بـ 184 مقعداً، مشكلاً بذلك أغلبية مريحة.
هكذا بدأت السيرة السياسية للشاب ترودو، دخول غير مخطط له فتحت أبوابه كلمة في تأبين والده لاقت استحسان الجميع؛ فاستغلها قادة الحزب الليبرالي عندما رأوا فيه الشخص المناسب ليكون عنواناً للتجديد، ورمزاً للتغيير والتحديث. فـ'برمجوا' مسيرته السياسية، ومهدوا له طريق الترقي في المسؤوليات الحزبية إلى أن أصبح في غضون سنوات قليلة زعيماً للحزب ورئيساً للحكومة وصورة لكندا المتجددة بقوى شبابها.
تجربة الحكم من الصعود والنجومية إلى الاستقالة
نجح ترودو في إعادة الحزب الليبرالي إلى السلطة وإلى صدارة المشهد السياسي في كندا بفوزه في أول انتخابات له كزعيم للحزب، منهياً بذلك سيطرة حزب المحافظين التي استمرت من عام 2006 إلى عام 2015.
لقد كان فوزاً مدوياً نقل حزبه من 34 مقعداً فقط إلى 184 مقعداً في البرلمان من أصل 308.
لم يقتصر فوز ترودو على الانتخابات فحسب، بل حاز أيضاً على إعجاب الكنديين وانخراطهم في مشروعه السياسي وتعهداته الانتخابية. كما نجح في تجديد النخبة السياسية في حزبه، وفي المشهد الحكومي، وفي الصورة العامة لكندا بعد هيمنة أجيال من كبار الساسة عليها لعقود طويلة.
استمر حكم ترودو عشر سنوات (2015-2025) على مدى ثلاث فترات، اعتمد خلالها سياسات توصف بأنها تقدمية، أبرزها الدفاع عن حقوق "مجتمع الميم" (المثليين والمتحولين جنسياً)، والمصالحة مع السكان الأصليين، وتقنين بيع المخدرات (القنب الهندي)، والعديد من البرامج الاجتماعية والصحية.
وبينما أسهمت سياساته في تحقيق تقدم ملحوظ في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأفراد والجماعات، وفي ترسيخ التنوع الذي يميز كندا، فإن أداءه على صعيد الحوكمة وإدارة الاقتصاد أثار العديد من الانتقادات.
سياسة خارجية بدون أدوار أولى لكندا
عند وصوله إلى السلطة، كان لدى ترودو طموح كبير في بناء عالم متكامل تماماً وبلا حدود، ولكن الأحداث اتخذت مساراً مختلفاً تماماً. فقد دفعت الأزمة الصحية العالمية (كوفيد-19) الدول إلى الاعتماد على الذات وتعزيز الإنتاج الوطني، مما أدى إلى تراجع التوجه نحو العولمة.
في هذا السياق، اتجهت كندا إلى تقوية علاقاتها بشكل شبه حصري مع شركائها التقليديين و'الزهد' في القيام بأي دور مؤثر في العالم، بما في ذلك النزاعات الدولية مثل الحرب الروسية الأوكرانية والحرب على غزة، حيث لم تصدر كندا مواقف واضحة من الحربين، على الرغم من سمعتها الدولية كدولة وسيطة ومفاوضة لإنهاء الحروب وحل النزاعات.
في الوقت الذي كان فيه العالم يتغير، لم تفلح كندا بقيادة ترودو في الحصول على موقع مؤثر وريادي في هذا العالم الجديد، خاصة بعد أن دخل في خلافات وعلاقات متوترة مع أربعة قوى كبرى: الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند، بسبب قضايا أيديولوجية أراد ترودو فرضها على بقية العالم، وفقاً لبعض الخبراء.
السياسة الداخلية: نجاحات مكلفة
أثارت سياسات ترودو في مجال الهجرة انتقادات كبيرة لآثارها السلبية على الوضع العام في البلاد.
فقد اختار خلال السنوات الأولى من حكمه استقبال أعداد كبيرة من المهاجرين المؤقتين، لكنه تراجع عن ذلك في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وأعلن تعليق برامج قبول المهاجرين لثلاث سنوات قادمة، وإعادة الآلاف منهم إلى بلدانهم بعد فشله في توفير أسباب العيش الكريم لهم، خاصة في مجالات السكن والتعليم والصحة، مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الإيجارات، واكتظاظ المدارس والمستشفيات.
وعلى الرغم من نجاحه في خفض نسبة البطالة إلى 5.4% في عام 2019، وهي أدنى نسبة تم تسجيلها في كندا خلال الأربعين سنة الأخيرة، وتحقيقه نسب نمو أعلى من المتوقع، إلا أنه لم يتمكن من تحقيق أحد أهم وعوده الانتخابية منذ ولايته الأولى، وهو تحقيق توازن الميزانية. كما شهدت نسبة التضخم ارتفاعاً ملحوظاً، وتضاعف الدين العام، بالإضافة إلى انتشار الجريمة.
ومع ذلك، يُحسب لحكومة ترودو الثالثة نجاحها في الحصول على اعتماد البرلمان في عام 2022 لبرنامج جديد للعناية بالأسنان، والذي جاء كثمرة لتفاهمه مع الحزب الديمقراطي الجديد، حليفه في البرلمان. وشمل البرنامج في مرحلته الأولى أطفال الأسر متوسطة الدخل، ثم توسع ليشمل كبار السن والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. كما أقر مخصصات مالية كبيرة للأسر التي لديها أطفال دون سن الثامنة عشرة، ويقل دخلها السنوي عن 90 ألف دولار.
خيارات أثارت انقسامًا داخل المجتمع الكندي
من بين القرارات التي أثارت جدلاً واسعاً وانقساماً داخل المجتمع الكندي، تقنين استهلاك مخدر "القنب الهندي"، والتوسع في الحقوق الممنوحة لـ "مجتمع الميم" (المثليين وغيرهم من الهويات الجنسية المختلفة)، وفرض ضريبة الكربون على الأفراد والشركات الصناعية بعد توقيعه على اتفاقية باريس بشأن المناخ، وحظر امتلاك الأسلحة الهجومية بعد المجزرة التي وقعت في مقاطعة نوفا سكوشا عام 2020.
الأزمة السياسية 2024 وبداية التدحرج نحو النهاية
بدأت شعبية ترودو في التراجع لأسباب متعددة، منها فشل بعض خياراته، وعدم الوفاء بالعديد من وعوده الانتخابية، خاصة ذات البعد الاجتماعي، بالإضافة إلى مشاكل في الحوكمة والاشتباه في تورطه في بعض الفضائح وإخضاعه لأكثر من تحقيق حول قضايا فساد وتضارب مصالح.
في محاولة لتحسين صورته واستعادة الأغلبية في البرلمان، أعلن ترودو في سبتمبر/أيلول 2021 عن انتخابات عامة مبكرة، ولكنه لم يحصل فيها على الأغلبية، واضطر مرة أخرى لتشكيل حكومة أقلية جديدة. وأدخلته نتائج هذه الانتخابات في مرحلة جديدة من الصعوبات والمتاعب، مما أوقعه في ديناميكية سلبية قادته إلى مواجهة أزمة سياسية حادة كانت بداية النهاية.
بدأت الأزمة السياسية بتململ داخل حزبه، والذي تطور إلى استقالة تسعة من وزرائه من مناصبهم. ثم حدث التحول في ديسمبر/كانون الأول 2024 باستقالة نائبته في رئاسة الحكومة ووزيرة ماليته كريستيان فريلاند، بسبب خلافاتها معه حول السياسات المالية والاقتصادية، حيث كانت تفضل الحفاظ على المقدرات المالية للبلاد، بينما كان ترودو يميل إلى إقرار المزيد من المنح والمخصصات المالية لإرضاء الناخبين.
على الصعيد البرلماني، واجهت حكومته العديد من التهديدات بسحب الثقة منها، خاصة من قبل حليفه الحزب الديمقراطي الجديد.
في محاولة لاحتواء الأزمة وإنقاذ حكمه، قام ترودو في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2024 بتعديل وزاري شمل ثلث حكومته، إلا أن شعبيته استمرت في التراجع إلى أدنى مستوياتها، في مقابل تزايد شعبية منافسه زعيم حزب المحافظين بـ 20 نقطة كاملة.
لم تمنع هذه الخطوة خسارة حليفه اليساري في البرلمان (الحزب الديمقراطي الجديد)، الذي وجه الضربة القاضية لحكومة ترودو عندما أعلن فك التحالف البرلماني معه. كما لم توقف تنامي القلق وتوسعه داخل حزبه، وارتفاع الأصوات المطالبة برحيله.
خرج ترودو في السادس من يناير/كانون الثاني 2025 ليعلن قراره الاستقالة من منصبه كزعيم للحزب ورئيس للحكومة مباشرة بعد انتخاب زعيم جديد للحزب، وهو ما تحقق في التاسع من مارس/آذار بانتخاب مارك كارني وتكليفه لاحقاً برئاسة الحكومة في الرابع عشر من مارس/آذار.
ماذا بقي من إرث ترودو؟
من قمة الشعبية عند وصوله إلى السلطة في عام 2015، إلى الإخفاقات في الحوكمة والإدارة، بالإضافة إلى أزمة ثقة داخل حزبه، وتراجع شعبيته إلى أدنى مستوياتها، ثم الانحناء والاستقالة، تلك هي أبرز محطات حكم ترودو.
كان الحلم عظيماً والأفق واسعاً، ولكن المسيرة كانت متعثرة وشاقة وواجهت العديد من الاختبارات الصعبة والأزمات الحادة والمزالق الأخلاقية في ظل ظروف دولية صعبة، من أشدها تأثيراً على حكمه أزمة "كوفيد-19"، والحرب في أوكرانيا، والحرب على غزة، وعودة ترامب إلى البيت الأبيض.
وعلى الرغم من كل هذه التحديات وغيرها، نجحت حكومة ترودو الأخيرة في إنجاز 74% من وعودها الانتخابية، وفقاً لتقرير "المركز الكندي لتحليل السياسات العامة". فمن بين 1050 وعداً، أنجزت الحكومة 45% منها إنجازاً كاملاً (471 وعداً) و29% إنجازاً جزئياً (306 وعود)، في حين لم يتم إنجاز 26% فقط (273 وعداً)، حسب "بوليميتر جامعة لافال".
أعلن ترودو في كل ولاية من ولاياته الثلاث ما معدله 350 وعداً انتخابياً، وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف ما أعلنته الحكومات السابقة، والتي تراوح عدد وعودها في كل ولاية بين 56 و192 وعداً. لقد اختار ترودو الطموح أن يلزم نفسه بعدد كبير من الوعود، مما جعل مهمته في الحكم صعبة وأحياناً تحت ضغط كبير.
ربما يعكس حجم الوعود الكبير إرادة ترودو ورغبته العارمة في إحداث تغيير عميق في الحياة السياسية وفي حياة الكنديين من خلال مجموعة من السياسات والبرامج لدعم الطبقة الوسطى وتحسين مستوى معيشتها، ورغبته في إعادة الحزب الليبرالي إلى صدارة المشهد وقيادة التحولات الكبرى في كندا بعد أن تراجع إلى المركز الثالث في مجلس العموم بـ 34 مقعداً فقط خلال فترة حكم المحافظين بين عامي 2011 و2015، وهو ما لم يتحقق على الأقل بالقدر الذي كان يصبو إليه.
فضائح متتالية قصمت الظهر
ساهمت العديد من الشبهات والفضائح التي كان ترودو طرفاً فيها في تآكل شعبيته وتشويه صورته؛ بما في ذلك فضيحة شركة SNC Lavalin التي استقال بسببها اثنان من وزرائه، وكذلك فضيحة قضائه مع عائلته عطلة خاصة مجانية في جزر مملوكة لرجل أعمال، مما أدى إلى توجيه توبيخ له من قبل "مفوضية الأخلاقيات"، بالإضافة إلى فضيحة We Charity/Unis، المتعلقة بتضارب المصالح، والتي استقال بسببها أحد وزرائه.
أدت هذه الفضائح والإخفاقات إلى تحويل صورة ترودو من نجم ساطع، بعد تصنيفه في المرتبة 69 من بين أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم، إلى رمز لكل ما هو سيئ وفاشل في كندا.
بصمة ترودو
على الرغم من الصعوبات والمتاعب وحكومة الأقلية، نجح ترودو في ولايته الثالثة (2021-2025) في البقاء في السلطة لفترة أطول بعد أن تمكن من التحالف مع الحزب الديمقراطي الجديد، مما ساعده على تحقيق 74% من وعوده الانتخابية، بالإضافة إلى اعتماد برامج للرعاية الصحية، أهمها "نظام التأمين العام للأسنان" و"البرنامج الوطني للتأمين على الأدوية"، وهما مشروعان لم يكونا من بين الوعود الانتخابية لترودو، وإنما جاءا نتيجة لتحالفه مع الحزب الديمقراطي الجديد.
يبقى العنوان الأبرز لسياسات ترودو وبصمته في حكم كندا هو سياساته الاجتماعية وخياراته المتعلقة بالمناخ، وهما المجالان اللذان أطلق فيهما أكبر عدد من الوعود، بالإضافة إلى التحديات المتعلقة بالأقليات.
وتوصف سياساته في هذه المجالات بأنها تقدمية وأقرب ما تكون إلى اليسار، وهو ما يحدث للمرة الأولى تقريباً في كندا. فقد استثمر بكثافة في برامج غيرت واقع العديد من الأفراد والمجموعات.
هل ينجح مارك كارني في إبقاء الليبراليين في الحكم؟
إذا كان ترودو قد وصل إلى السلطة فائزاً في انتخابات بأغلبية مريحة للغاية، فإن خلفه مارك كارني وصل من خلال انتخابات حزبية أوصلته إلى سدة الحكم بهدف ضمان استمرار الحزب في السلطة عن طريق الفوز في الانتخابات العامة القادمة، في سياق التغيير والابتعاد عن أعباء عقد ترودو في السلطة.
باشر مارك كارني مهامه مباشرة بعد أداء اليمين في الرابع عشر من مارس/آذار، معلناً عن تشكيلة حكومته رقم 30 في تاريخ كندا، وحافظ فيها على أركان حكومة ترودو مع تغيير في الحقائب وفي مضمون الخطاب والأولويات، وحرص بشدة على التمايز عن تجربة ترودو في الحكم، وخاصة إخفاقاتها وفضائحها.
شكل كارني حكومة مصغرة تضم 23 وزيراً، منهم 13 رجلاً و11 امرأة، على عكس حكومة ترودو الواسعة التي كانت تضم 37 وزيراً بالتساوي بين النساء والرجال، وهو خيار حافظ عليه ترودو في جميع حكوماته.
كما جاءت تشكيلة حكومة كارني أقل تنوعاً وأقل شباباً، وغاب عنها الوزراء المعروفون بتقدميتهم. كما ألغى وزارات حرص ترودو على وجودها في كل حكوماته، مثل وزارة الشباب ووزارة أصحاب الاحتياجات الخاصة ووزارتي المرأة والتعددية.
صرح كارني يوم تنصيبه أن أولويات حكومته هي حماية أمن كندا من تهديدات الرئيس الأميركي ترامب بضمها إلى الولايات المتحدة الأميركية لتصبح الولاية رقم 51، وإنعاش الاقتصاد، وإعادة هيكلة العمل الحكومي من خلال إنشاء وزارة جديدة هي وزارة إعادة هندسة الحكومة.
اختار كارني إدارة الأزمة مع الرئيس ترامب بنفس الفريق الحكومي الذي اعتمده ترودو، وأبرز وجوهه وزيرة الخارجية، دون أن يكشف حتى الآن عن خطته لمواجهة تهديدات ترامب التي أعاد تأكيدها وزير خارجيته ماركو روبيو خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية دول السبع الكبار الذي انعقد مؤخراً في كندا.
وخلافاً للمعتاد، اختار كارني أن تكون أولى زياراته الخارجية باتجاه أوروبا (فرنسا وبريطانيا)، وليس الولايات المتحدة كما جرت العادة، بحثاً عن تعزيز الدعم لأمن كندا واستقلالها وتنويع شركائها الاقتصاديين.
وبعد أيام قليلة من توليه منصبه في 14 مارس/آذار، أعلن كارني حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة في 28 أبريل/نيسان، وهي الانتخابات العامة رقم 45 في تاريخ كندا منذ تأسيسها في عام 1867، سعياً للاستفادة من تقدمه في استطلاعات الرأي الأخيرة بـ 20 نقطة كاملة عن منافسه بيار بوليفير، زعيم حزب المحافظين، الذي كان متقدماً على ترودو حتى وقت قريب.
فهل ستلقي تركة حكم ترودو بظلالها على فرص الحزب الليبرالي في الانتخابات العامة القادمة، أم سينجح كارني في كسب الرهان وإبقاء الليبراليين في السلطة لولاية رابعة على التوالي؟